مفهوم النسيج
يعرف النسيج بانه عبارة عن جسم مسطح يتكون من مجموعة من خيوط طولية يطلق عليها اسم “السدى” تتقاطع مع خيوط عرضية تعرف باسم “اللحمة” تقاطعاً منتظماً ويختلف المنسوج فى مظهره ونوعه تبعاً لإختلاف تقاطع الخيوط وتركيبها. فمنذ الأزمنة البعيدة والإنسان يجرب مئات الأنواع من الشعيرات الطبيعية ليرى مدى صلاحيتها لصناعة النسيج ، فهناك الشعيرات النباتية التى تأخذ من جذوع النبات مثل ( التيل – القنب ، الكتان ، الجوت ) وشعيرات أخرى حيوانية مثل الصرف والشعر وشعيرات تفرزها الحشرات مثل الحرير الطبيعى الذى تفرزه دورة القز.
النسيج عبر العصور المختلفة
لقد كانت الصناعات فى عصور ما قبل التاريخ تقوم على عدة حرف أو صناعات محدودة العدد دعت إليها الحاجة إلى تحقيق بعض الأغراض الوقائية والمعيشية كالدفاع عن النفس والعشيرة وإجابة مطالب الحياه الملحة ، ولم تكن هذه الصناعات مبنية على نظريات علمية تطبيقية بل كانت تقليداً للطبيعة ، ثم أخذت تتطور وتهذب تبعاً لنمو الذوق الفنى ، وعلى هذا يمكن القول بأن الصناعات سبقت الفن ثم امتزجت به عندما أرتقى الإنسان فى معيشتة بعض الشى وأخذ يتطلع الى الكماليات ومن هنا نشأ الفن التطبيقى الذى يعتبر صناعة مهذبه يلعب الذوق الفنى فيها دوراً كبيراً .
ويقول اروين ادمان ” ان الفن – هو أداة معرفية – لا يقل أهمية عن الدين أو العلم، ذلك أن موضوعة هو الخبرة الإنسانية بأسرها ” “والحياه هى مسرحه ومادته ” . وحقاً أن الفنون ” لا تطعم فما ” ولكنها ” تغذى عين الجسد أو عين الروح “. ولذلك لما كانت مصر بإجماع الباحثين أقدم موطن للحضارة وصناعاتها ، وفنونها من اقدم الفنون ، فقد يكون فن وصناعة الغزل والنسيج من بين تلك
التى لازمت الحضارة فى الحضارة فى مصر منذ بدايتها .
النسيج فى العصر البدائى :-
فمن أقدم الوثائق التى تركها الإنسان البدائى . تلك الرسوم التى وجدت على حوائط كهوف أكتشفت فى مناطق بين فرنسا واسبانيا وفى مناطق الصحراء الكبرى فى شمال أفريقيا بعضها موجود على الصخور فى العراء وفى صحراء كالاهارى جنوب أفريقيا وفى أماكن متفرقة من العالم كلها ترجع إلى العصر الحجرى.
وأنه لمن العبث أن نحاول رسم صورة صادقة لهذه الصناعة فى عصور ما قبل التاريخ ،إذ تعوزنا المصادر التاريخية والآثار المادية التى توضح الوسائل أو الطرق التى كانت متبعه وقتئذ فى غزل الخيوط ونسج الأقمشة، كما أعوزتنا بالنسبة لغزل الخيوط التى عثر عليها الأستاذ يونكر مقابر مرمدة ، ببنى سلامة الواقعة على حافة الدلتا الغربية ، وكذلك تعوزنا وسائل نسج الأقمشة التى عثرعليها فى الفيوم والتى يرجع عهدها إلى العصر الحجرى الحديث. وعلى كل فإن العثور على مثل هذه الخيوط والأقمشة يدل على بوادر قيام هذه الصناعة وإنها بدأت تظهر فى نهاية هذا العصر ، ثم أخذت تنمو وتتقدم الى أن وصلت الى درجة لا يستهان بها فى العهد الفرعونى .
لذلك تعتبر صناعة الغزل والنسيج من أولى الصناعات التى قام بها الإنسان فى نهاية العصر الحجرى القديم حيث أكتشف له نماذج أقمشة بدائية توجد حالياً فى متاحف سويسرا والدنمارك.
النسيج فى العصر الفرعونى :-
وفى العصر الفرعونى بمصر صنع المصريون القدماء الأقمشة والملابس من الكتان وقد استعملوا الصبغات النباتية فى تلوينها وقد استخدموا الشبه فى تثبيت تلك الألوان.
ومن الثابت أن المصريين القدماء كانوا يستعملون النباتات ذات الألياف الخشنة فى صنع المنسوجات وفى حاجاتهم اليومية ، وأهمها الكتان وألياف النخيل والحلفا التى كانت تستعمل فى عمل الحبال منذ أقدم العهود أما الألياف الحيوانية فلم تكن ذات أهمية كبيرة فى صنع الأقمشة . ويرجع السبب فى ذلك الى عدم صلاحية صوف الأغنام التى كانت موجودة وقتئذ لعملية الغزل ولإعتقادهم بعدم طهارة هذا الصوف .
فجاء هذا النموذج من مجموعة مكت رع، وهو يصور مشغل نسيج، يرى فيه جمع من النساء، يعددن المغازل للغزل ثم النسج على نولين ، وتظهر بعض النساء جالسات ينسجن الكتان على أنوالهن، بينما أخريات واقفات ومستغرقات في الغزل، بما في أيديهن من المغازل.
فقد ضرب المصريون بسهم وافر فى صناعة الكتان وبلغوا فيها درجة عظيمة من الروعة والكمال يعز الوصول إليها حتى فى الوقت الحاضر ،رغم التقدم الكبير الذى ادخله التطور الالى إذ بلغت بعض المنسوجات المصرية القديمة المالفوف فيها المومياء وخاصة القطعة التى وجدت بمقبرة تحتمس الثالث والموجودة بالمتحف المصرى بلغت من الدقة ما جعلها تحاكى أدق أنواع (الموسلين الهندى) و (الكريب جورجيت) .
ولم تقف مصر شهرة مصر بمنسوجاتها عند العصر الفرعونى بل أمتدت الى العصر البطلمى ، فقد تكلم مؤرخو اليونان عن نسيج الكتان المصرى من حيث دقة صنعه وخصوا منه بالذكر نوعاً دقيقاً جداً قالوا عنه نسيج (اليبوس) ويعتقد الأستاذ لوربية أن هذا يقابل فى اللغة المصرية القديمة كلمة (تيسوت) أى ملكى للدلالة على أنه أفخر نوع من نسيج الكتان ، وفى العصر الرومانى أنشا الأباطرة مصانع الجنيسيم ، أى مصانع النسيج الملكى بمدينة الأسكندرية عاصمة القطر المصرى فى ذلك الوقت ، لكى تمون الإمبراطور وبلاطه بما تحتاج إليه من الأقمشة الكتانية التى أشتهرت بها مصر.
النسيج فى العصر القبطى :-
يقتنى متحف بيت الكريدلية “متحف جاير اندرسون” بالقاهرة بين معروضاته المختلفة من المفروشات والتحف . مجموعة من المنسوجات الآثرية ، التى ترجع الى مؤسس هذا المتحف “جاير اندرسون” ” Gayer – Andereson“ عن طريق الثراء أو الإهداء .وتكون معظم المجموعة من نسيج الكتان ، والصوف ، كما نسج بعضها من القطن . ويتضح لنا من الدراسة الوصفية لمجموعة المنسوجات الآثرية المحفوظة بمتحف “جاير اندرسون” بالقاهرة ، إنها منسوجة بطريقة القباطى ومعظمها من صناعة مصر ، حيث يرجع بعضها إلى العصر القبطى . وتعد هذه المجموعة من المنسوجات ذات قيمة آثرية عظيمة حيث يمتد تاريخها عبر العصور المختلفة. وفى العصر القبطى أنتشرت مصانع النسيج فى جميع أجزاء القطر فى طول البلاد وعرضها ، وذاع صيت مصر السفلى بمدنها المختلفة بمنسوجاتها الكتانية ، وذلك لملائمة الجو لها إنذاك ، كما يوجد بالمتحف القبطى عدد كبير من الأشرطة المزخرفة بلحمة زائدة ، وهذة الأشرطة مضافة إلى أقمصته التي يرجعها المتحف إلى القرن السادس والسابع الميلادى .
كذلك طوقت شهرة منسوجات مصر فى العصر القبطى التى عرفت باسم القباطى الآفاق على النحو الذى ورد ذكره فى المراجع التاريخية .
ونتبين من هذه النبذة مدى ما بلغته مصر فى صناعة المنسوجات من شهرة واسعة منذ العصر الفرعونى ، استمرت فى جميع عصورها التاريخية حتى مجيىء العرب إلى مصر وفتحهم لها. ولقد كان هذا الفتح عاملاً على إزدهار صناعة المنسوجات ، حيث عمل العرب على تنميتها وتشجيعها . كما دفع إهتمام المسلمين بالمنسوجات إلى العناية بالمصانع التى تنسج بها ، وهى دور الطراز فاخضعوها للرقابة الحكومية .
النسيج فى العصرالإسلامى :-
كانت منسوجات مصر ذات شهرة فائقة فى أرجاء العالم . كما كانت موضع التقدير ومضرب الأمثال فى دقتها وروعتها وجمالها .وقد عرف العرب لها ذلك فعملوا على أن يستفيدوا من هذا التراث الفنى وتشجيعه حتى إزدهرت صناعة النسيج فى أرجاء الدول الإسلامية بوجه عام وفى مصر بصفة خاصة وذلك بعد أن تخلى العرب بعد الفتوحات عن ثيابهم البدوية الخشنة من الجلباب الصوفية المرقعة بالاديم . أوالأقبية الطولية المربوطة فى وسطها بالزنانير ، والصابرات التى يرتدونها فوق الأقبية ، واقبلوا على التألق فى اللباس متأثرين فى ذلك بالحياة الحضارية فى البلاد المفتوحة وإزدهرت صناعة النسيج فى البلاد الإسلامية وأصبحت بحق من أهم الصناعات ولقد كانت كسوة الكعبة المشرفة قبل الإسلام وبعده ، ونظام منح الخلع المنسوجة . وهو تقليد عرفته معظم شعوب العالم المتمدين إنذاك – من بين التقاليد المتبعة فى الدول الإسلامية ، الأمر الذى كان له أكبر أثر فى إزدهار فن النسيج وصناعته.
النسيج فى العصر الحديث :-
وحيث أن “صناعة الأقمشة بدأت منذ مئات السنين فإن الخبرة والمحاولات أدت الى إختيار أنسب الشعيرات لتلك الصناعة فى العالم ويعتبر القطن ، الصوف ، الكتان ، الحرير الطبيعى من أهم الألياف لصناعة الأقمشة ونرى أنه فى خلال الستين عاماً الماضية فقد بدأ العلم يلعب دوراً رئيسياً فى صناعة الأقمشة نتيجة للعديد من الدراسات الكيميائية فى ذلك المجال واكتشاف مجموعة من الألياف ساهمت فى صناعة الحرير الصناعى والنايلون الداكورن وكثير من الألياف الصناعية الأخرى ، ونتيجة لهذا التقدم الكبير والملحوظ فى صناعة المنسوجات والذى يرجع لهذا العصر الذى نصفه بعصر التكنولوجيا المتطورة فى جميع المجالات واستخدام الكمبيوتر فى الصناعات المختلفة فقد تنوعت وتعددت الأقمشة بخاماتها وسماتها المختلفة وقد غمرت الأسواق بألوانها المبهرة والجذابة أيضاً بتصميماتها المبتكرة والتى تعبر عن روح هذا العصر .
فلقد شهدت صناعة الأقمشة فى عصرنا هذا تقدماً كبيراً فهى تمتاز بالنقوش والملامس والألوان الأكثر تدرجاً وبعضها يمتاز بالشفافية وهى ما يطلق عليها الأقمشة الشفافية مثل
( الشيفون ، الاورجانزا ، الفوال ، الشاش ، التل ، الشبيكة ، الدانتيل ) .
فهى تعد تقريباً معظم الأقمشة المستخدمة فى ملابس السيدات ، كما تحرر الفكر المصرى واستخدم القماش بسائر أنواعه فى شتى استخدامات مجالات الحياة اليومية .